فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (28):

قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كان سبب الخيانة غالبًا محبة المال أو الولد، وكان سبب التقاول المسبب عنه إنزال هذه السورة- كما سلف بيانه أولها- الأموال من الأنفال، وكان من أعظم الخيانة في الأنفال الغلول، وكان الحامل على الغلول المحنة بحب جمع المال إما استلذاذًا به أو لإنفاقه على محبوب، وكان الولد أعز محبوب؛ حسن كل الحسن إيلاء ذلك قوله: {واعلموا} وهي كلمة ينبه بها السامع على أن ما بعدها مهم جدًا {أنما أموالكم} قلّت أو جلّت هانت أو عزّت {وأولادكم} كذلك {فتنة} أي سببها، يفعل الله بها فعل المختبر لينكشف للعباد من يغتر بالعاجل الفاني ممن تسمو نفسه عن ذلك، فلا يحملنكم ذلك على مخالفة أمر الله فتهلكوا {وأن الله} أي المحيط بكل كمال {عنده أجر عظيم} عاجلًا وآجلًا لمن وقف عند حدوده، فيحفظ له ماله ويثمر أولاده ويبارك له فيهم مع ما يدخر له في دار السعادة، وعنده عذاب أليم لمن ضيعها، فأقبلوا بجميع هممكم إليه تسعدوا، وزاد وضعها هنا حسنًا سبب نزول التي قبلها من قصة أبي لبابة- رضى الله عنهم- الحامل عليها ماله وولده، وكانت قصته في قريظة سنة خمس وغزوة بدر في السنة الثانية. اهـ.

.قال الفخر:

ثم إنه لما كان الداعي إلى الإقدام على الخيانة هو حب الأموال والأولاد نبه تعالى على أنه يجب على العاقل أن يحترز عن المضار المتولدة من ذلك الحب.
فقال: {إِنَّمَا أموالكم وأولادكم فِتْنَةٌ} لأنها تشغل القلب بالدنيا، وتصير حجابًا عن خدمة المولى.
ثم قال: {وَأَنَّ الله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} تنبيهًا على أن سعادات الآخرة خير من سعادات الدنيا لأنها أعظم في الشرف، وأعظم في الفوز، وأعظم في المدة، لأنها تبقى بقاء لا نهاية له، فهذا هو المراد من وصف الله الأجر الذي عنده بالعظم.
ويمكن أن يتمسك بهذه الآية في بيان أن الاشتغال بالنوافل أفضل من الاشتغال بالنكاح لأن الاشتغال بالنوافل يفيد الأجر العظيم عند الله، والاشتغال بالنكاح يفيد الولد ويوجب الحاجة إلى المال، وذلك فتنة، ومعلوم أن ما أفضى إلى الأجر العظيم عند الله، فالاشتغال به خير مما أفضى إلى الفتنة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال السمرقندي:

{واعلموا أَنَّمَا أموالكم وأولادكم فِتْنَةٌ} يعني بلاء عليكم، لأن أبا لبابة إنما ناصحهم من أجل ماله وولده الذي كان عند بني قريظة.
{وَأَنَّ الله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}، يعني الجنة لمن صبر ولم يخن. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُم فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}.
يحتمل وجهين:
أحدهما: أن ما عند الله تعالى من الأجر خير من الأموال والأولاد.
والثاني: أن ما عند الله تعالى من أجر الحسنة التي يجازي عليها بعشر أمثالها أكثر من عقوبة السيئة التي لا يجازي عليها إلا بمثلها. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة}
قال ابن عباس: هذا خطاب لأبي لبابة، لأنه كانت له أموال وأولاد عند بني قريظة.
فأما الفتنة، فالمراد بها: الابتلاء والامتحان الذي يُظهر ما في النفس من اتِّباع الهوى أو تجنُّبِه {وأن الله عنده أجر عظيم} خير من الأموال والأولاد. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {واعلموا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} كان لأبي لبابة أموال وأولاد في بني قُريظة: وهو الذي حمله على ملاينتهم؛ فهذا إشارة إلى ذلك.
{فِتْنَةٌ} أي اختبار؛ امتحنهم بها.
{وَأَنَّ الله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} فآثِروا حقّه على حقكم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة}.
قيل: هذا مما نزل في أبي لبابة وذلك لأن أمواله وأولاده كانت في بني قريظة فلذلك قال ما قال خوفًا عليهم.
وقيل: إنه عام في جميع الناس وذلك أنه لما كان الإقدام على الخيانة في الأمانة هو حب المال والولد نبَّه الله سبحانه وتعالى بقوله: {واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة} على أنه يجب على العاقل أن يحذر من المضار المتولدة من حب المال والولد، لأن ذلك يشغل القلب ويصيره محجوبًا عن خدمة المولى وهذا من أعظم الفتن وروى البغوي بسنده عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بصبي فقبله وقال: «أما إنهم مبخلة مجبنة وإنهم لمن ريحان الله». أخرج الترمذي عن عمر بن عبد العزيز قال زعمت المرأة الصالحة خولة بنت حكيم قال: «خرج ذات يوم وهو محتضن أحد ابني ابنته وهو يقول إنكم لتبخلون وتجبنون وتجهلون وإنكم لمن ريحان الله».
قال الترمذي: لا نعرف لعمر بن عبد العزيز سماعًا عن خولة.
قوله، لمن ريحان الله: أي لمن رزق الله والريحان في اللغة الرزق.
وقوله تعالى: {وأن الله عنده أجر عظيم} يعني لمن أدى الأمانة ولم يخن وفيه تنبيه على أن سعادة الآخرة وهو ثواب الله أفضل من سعادة الدنيا وهو المال والولد. اهـ.

.قال أبو حيان:

{واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم} أي سبب الوقوع في الفتنة وهي الإثم أو العذاب أو محنة واختبار لكم وكيف تحافظون على حدوده فيها ففي كون الأجر العظيم عنده إشارة إلى أن لا يُفتن المرء بماله وولده فيؤثر محبته لهما على ما عند الله فيجمع المال ويحب الولد حتى يؤثر ذلك كما فعل أبو لبابة لأجل كون ماله وولده كانوا عند بني قريظة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{واعلموا أَنَّمَا أموالكم وأولادكم فِتْنَةٌ}
لأنها سببُ الوقوعِ في الإثم والعقاب أو محنةٌ من الله عز وجل ليبلُوَكم في ذلك فلا يحمِلَنّكم حبُّهما على الخيانة كأبي لُبابة {وَأَنَّ الله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} لمن آثرَ رضاه تعالى عليهما وراعى حدودَه فيهما فنيطوا هِممَكم بما يؤديكم إليه. اهـ.

.قال الألوسي:

{واعلموا أَنَّمَا أموالكم وأولادكم فِتْنَةٌ}
لأنها سبب الوقوع في الاثم والعقاب، أو محنة من الله عز وجل يختبركم بها فلا يحملنكم حبها على الخيانة كأبي لبابة، ولعل الفتنة في المال أكثر منها في الولد ولذا قدمت الأموال على الأولاد، ولا يخفى ما في الأخبار من المبالغة.
وجاء عن ابن مسعود ما منكم من أحد إلا وهو مشتمل على فتنة لأن الله سبحانه يقول: {واعلموا أَنَّمَا أموالكم} إلخ فمن استعاذ منكم فليستعذ بالله تعالى من مضلات الفتن؛ ومثله عن علي كرم الله تعالى وجهه {وَأَنَّ الله عِندَهُ عَذَابٌ عظِيمٌ} لمن مال إليه سبحانه وآثر رضاه عليهما وراعى حدوده فيهما فأنيطوا هممكم بما يؤديكم إليه. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [28].
{وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} أي: محنة من الله ليبلوكم، هل تقعون بهما في الخيانة، أو تتركون لهما الإستجابة لله ولرسوله، أو لا تلهون بهما عن ذكره ولا تعتاضون بهما منه.
فسموا فتنة اعتبارًا بما ينال الْإِنْسَاْن من الإختبار بهم، ويجوز أن يراد بالفتنة الإثم أو العذاب، فإنهم سبب الوقوع في ذلك.
قال الحاكم: قد أمر الله بالعلم بذلك، وطريق العلم به التفكر في أحوالهما وزوالهما، وقلة الإنتفاع بهما، وكثرة الضرر، وأنه قد يعصي الله بسببهما.
وقوله تعالى: {وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} أي: لمن آثر رضاه على جمع المال وحب الولد، فلم يورط نفسه من أجلهما.
وقد جاء التحذير من فتنتهما صراحة مع الترهيب الشديد في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} قيل: هذه الآية من جملة ما نزل في أبي لبابة، وما فرط منه لأجل ماله وولده. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وابتداء جملة: {واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة}
بفعل {اعلموا} للاهتمام كما تقدم آنفًا عند قوله: {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه} [الأنفال: 24] وقوله: {واعلموا أن الله شديد العقاب} [الأنفال: 25] وهذا تنبيه على الحذر من الخيانة التي يحمل عليها المرءَ حبُ المال وهي خيانة الغلول وغيرها، فتقديم الأموال لأنها مظنة الحمل على الخيانة في هذا المقام.
وعطف الأولاد على الأموال لاستيفاء أقوى دواعي الخيانة، فإن غرض جمهور الناس في جمع الأموال أن يتركوها لابنائهم من بعدهم، وقد كثر قرن الأموال والأولاد في التحذير، ونجده في القرآن، قيل إن هاته الآية من جملة ما نزل في أبي لبابة.
وجيء في الإخبار عن كون الأموال والأولاد فتنة بطريق القصر قصرًا ادعائيًا لقصد المبالغة في إثبات أنهم فتنة.
وجُعل نفس الأموال والأولاد فتنة لكثرة حدوث فتنة المرء من جراء أحوالهما، مبالغة في التحذير من تلك الأحوال وما ينشأ عنها، فكأن وجود الأموال والأولاد نفس الفتنة.
وعطف قوله: {وأن الله عنده أجر عظيم} على قوله: {أنما أموالكم وأولادكم فتنة} للإشارة إلى أن ما عند الله من الأجر على كف النفس عن المنهيات هو خير من المنافع الحاصلة عن اقتحام المناهي لأجل الأموال والأولاد. اهـ.